أخبار
لماذا يعد النظام الغذائي القلوي مجرد خرافة؟
رُبما تكون قد قابلت خبرًا عن اتباع أحد المشاهير حول العالم للنظام الغذائي القلوي، رُبما تكون قد اتخذت خطوة إضافية من البحث للتعرّف أكثر على هذا النظام، وهنا على الأغلب ستكون قد تعرضت لعشرات الادعاءات التي توضح لك مدى أهمية وفائدة اتباع النظام الغذائي القلوي، إلى الحد الذي رُبما يكون قد جعلك تشعر أن سبب أغلب مشاكلك الصحية العقلية والجسدية الأساسي يتمثل في عدم اتباع النظام الغذائي القلوي.
في عام 2013، غردت فيكتوريا بيكهام، عبر منصة التواصل الاجتماعي، إكس، تويتر سابقا، بأن كتاب الطبخ القلوي “صحي بصراحة: تناول الطعام مع وضع جسدك في الاعتبار، الطريقة القلوية”، الذي كتبته الطاهية النباتية ناتاشا كوريت وأخصائية التغذية فيكي إدجسون، كان هو المفضل لديها. ومنذ ذلك الحين، أصبح النظام الغذائي القلوي أكثر شيوعًا.
سيمكنك فقدان الوزن الزائد، وإبطاء الشيخوخة، والوقاية من أمراض مثل السرطان والسكري وهشاشة العظام، كل هذه الفوائد الصحية وغيرها يعدك بها بعض المروجين للنظام الغذائي القلوي. لكن هل هذا النظام سحري حقًا وبإمكانه تحقيق كافة هذه الفوائد؟
مناسب للنباتيين
وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، فإن الفكرة الرئيسية التي ينشرها المروجون للنظام الغذائي القلوي والتي يقوم عليها هذا النظام الغذائي بشكل أساسي هي أن الكثير من الناس لديهم خلل في توازن الحمض في أجسامهم، يحدث هذا الخلل بسبب تناول الأطعمة والمنتجات التي تنتج الحمض مثل اللحوم والقمح والسكر المكرر والسلع المصنعة.
يشرح موقع هيلث لاين فكرة هذا النظام الغذائي بأن عملية التمثيل الغذائي تشبه التفاعل الكيميائي الذي يحول الطعام إلى طاقة ويترك وراءه بقايا “رماد” تعرف باسم “النفايات الأيضية”. تتكون هذه النفايات من رماد حمضي أو محايد أو قلوي. يقول أنصار النظام الغذائي القلوي إن حموضة الرماد تؤثر على درجة حموضة الجسم، ويعتقدون أن الرماد القلوي يحمي الجسم من الأمراض، بينما الرماد الحمضي قد يجعله أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض.
لذا، فهم يرون أنه يجب رفع مستويات القلوية في الجسم لتحييد درجة الحموضة. يُضيف المروجون لهذا النظام الغذائي أنه يمكن لأي شخص بسهولة تغيير مستوى الحموضة في جسمه ودمه من خلال إجراء بعض التعديلات على الطعام الذي يتناوله.
الحموضة الزائدة في الجسم، وفقا لمؤيدي اتباع النظام القلوي، هي السبب الجذري للعديد من الأزمات والاضطرابات الصحية، بدايةً من الإصابة بحب الشباب ووصولًا إلى الإصابة بالسرطان.
خلال النظام الغذائي القلوي، هناك بعض الأطعمة التي يمكنك تناولها بينما هناك أطعمة أخرى يجب أن تتجنبها تمامًا. تشمل المكونات الغذائية التي ينتج عنها الرماد الحمضي البروتين والفوسفات والكبريت، بينما تشمل العناصر الغذائية التي ينتج عنها الرماد القلوي الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم.
وهنا، يمكن تصنيف بعض المجموعات الغذائية بأنها حمضية أو قلوية أو محايدة، المجموعة الحمضية، يندرج تحتها: اللحوم، الدواجن، الأسماك، الألبان، البيض، الحبوب. أما المجموعة المحايدة فيندرج تحتها: الدهون الطبيعية، الحليب، النشويات، السكريات. وأخيرًا المجموعة القلوية، والتي تتضمن : الفواكه، المكسرات، البقوليات، الخضروات.
خلال اتباع النظام القلوي، ينبغي تجنب منتجات الألبان والبيض واللحوم ومعظم الحبوب والأطعمة المصنعة، مثل الوجبات الخفيفة المعلبة والأطعمة الجاهزة، لن ينبغي عليك أيضًا تناول الكافيين.
تجنب البروتين، هو ما يجعل النظام القلوي نظامًا غذائيًا مناسبًا للأشخاص النباتيين على نحو خاص، وهو مناسب أيضًا لأولئك الذي يتبعون نظامًا غذائيًا خاليا من الغلوتين، وهو النظام الذي يستبعد القمح بشكل كامل من مكوناته.
يتم التفرقة بين الأطعمة القلوية وغير القلوية من خلال قياسها على مقياس الرقم الهيدروجيني، أي قوة الهيدروجين، الرقم الهيدروجيني 0 حمضي تمامًا، في حين أن الرقم الهيدروجيني 14 قلوي تمامًا. الرقم الهيدروجيني 7 محايد. تعتبر المادة قلوية إذا كان الرقم الهيدروجيني لها أعلى من 7، وحمضية إذا كان الرقم الهيدروجيني أقل من ذلك، ومحايدة عندما يكون رقمها الهيدروجيني عند 7. تختلف درجة الحموضة في مختلف أنحاء الجسم، الدم مثلا يكون قلويا قليلًا، أما المعدة فهي حمضية جدًا حتى تتمكن من هضم الطعام وتحليل البروتين، أيضًا يمنع حمض المعدة البكتيريا والكائنات الضارة من الدخول إلى الأمعاء وإصابتنا بالمرض.
رُبما يكون السؤال الهام هنا هل حقًا أغلب مشكلاتنا وأزماتنا الصحية يقف وراءها عدم تناولنا للأطعمة القلوية؟ هل هناك فعلًا أساس علمي لتعبيرات مثل حمضية الجسم أو قلويته؟
يوضح تانيس فينتون، اختصاصي تغذية مسجل وأخصائي في علم الأوبئة وأستاذ مساعد في جامعة كالجاري في ألبرتا، لواشنطن بوست أنه من الصحيح تمامًا أن النظام الغذائي الحديث هو أكثر إنتاجًا للأحماض، لأنه أكثر ثراءً بالدهون المشبعة والسكريات البسيطة والصوديوم والكلوريد وأقل في محتواه من المغنيسيوم والبوتاسيوم. هذا يجعل النظام الغذائي الحديث ينتج بولًا حمضيًا قليلا، وهو أمر قد يختلف فيه الإنسان المعاصر عن أسلافه من البشر الأوائل.
هنا يُشير فينتون إلى أن الأبحاث المتاحة حتى الآن لا تظهر أن الجسم بفعل النظام الغذائي الحديث يصبح حمضيًا، كل ما هنالك هو أن البول يُصبح حمضيًا أكثر، مما يدل على أن الكلى فعالة في إخراج الحمض. فما يدعيه النظام الغذائي القلوي من أنه يساعد الجسم على الحفاظ على مستوى الرقم الهيدروجيني في الدم، قد يكون لا أساس له، وليس له أي نصيب من الصحة، لأنه، واقعيًا، لن يؤدي أي شيء تأكله إلى تغيير درجة حموضة الدم بشكل كبير، لأن الجسم يعمل بشكل أساسي على الحفاظ على مستوى معدل حموضة الدم ثابتًا.
وفقًا لموقع جامعة تكساس إيه آند إم، فلكي يتمكن البشر من البقاء على قيد الحياة، يجب أن تتراوح درجة الحموضة في الدم بين 7.35 و7.45. ودرجات الحموضة التي تكون أقل أو أعلى من هذا النطاق قد تقتلنا. للبقاء أحياء، تحافظ أجسامنا على درجة حموضة محايدة تبلغ حوالي 7.4 من خلال وظائف الجسم الطبيعية، مثل التنفس والتبول، وذلك بغض النظر عن كمية الطعام الحمضي الذي نتناوله. مثلًا، إذا تناولت على الغداء اليوم شريحة لحم كبيرة، لن تجد هنا أن مستويات الحموضة في الدم قد ازدادت، ما سيحدث هنا وفقط هو أن البول سيصبح أكثر حمضية حيث يتخلص الجسم من النفايات الأيضية.
فما يتغير عند تناول الأطعمة والمنتجات التي تُنتج الأحماض هو درجة حموضة البول، فهي تتغير اعتمادًا على ما نأكله، وبهذه الطريقة يحافظ الجسم على ثبات مستوى الحموضة في الدم. فيُعدّ إفراز الأحماض في البول إحدى الطرق الرئيسية التي ينظم بها الجسم درجة حموضة الدم. وجود حمض في البول لا يشير إلى حمضية الدم. هذا ببساطة لأن دماءنا يجب أن تظل مستقرة إلى حد ما لإبقائنا على قيد الحياة.
والمشروبات، يتجاهل كليةً وظيفة الكليتين والرئتين. الأحماض التي تُنتج في الجسم تكون إما “استقلابية/ ثابتة” أو “تنفسية/ متطايرة”. تُفرز الأحماض الثابتة في البول، في حين تفرز الأحماض المتطايرة عن طريق الرئتين. وفي الوقت نفسه، تقوم الكلى بإعادة امتصاص البيكربونات، التي تأتي من حمض الكربونيك في الدم، تقاوم هذه العملية برمتها أي تغيير في مُعدل حموضة الدم، مما يسمح للشخص بالبقاء في نطاق مُعدل الحموضة الضروري للاستمرار في الحياة.
ختامًا، هنا يجب معرفة أن النظام الغذائي القلوي هو من الأنظمة الغذائية الصحية حيث يُشجع على تبني عادات غذائية صحية، مثل تناول المزيد من الفاكهة والخضروات، وتقليل تناول السكر المكرر واللحوم المصنعة، لكن الفكرة التي يقوم عليها من زيادة القلوية بالجسم وتحسين درجة الحموضة، من خلال التجنب التام للحوم ومنتجات الألبان، قد تكون خالية تمامًا من أي أساس علمي بل ورُبما يكون لها آثار صحية سلبية بالنسبة للأشخاص الذين لا يحتاجون أن يتخلوا عن هذه العناصر الغذائية تمامًا في نظامهم الغذائي.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية